شعب الإسكيمو
الإسكيمو شعب يعيش في المناطق القطبية الشمالية والمناطق القريبة منها. ويمتد موطن الإسكيمو من الطرف الشمالي الشرقي عبر ألاسكا، وشمال كندا إلى جرينلاند. ويعيش بعض الإسكيمو في الجزء الشمالي من المناطق القطبية التي لايستطيع أن يقطنها أي شعب آخر.
أُخذ اسم الإسكيمو من كلمة هندية أمريكية تعني آكلي اللحم النيء أو الناطقين بلغة غريبة. ويطلق الإسكيمو على أنفسهم عدة أسماء مثل: إنويت في كندا، وإينوبيات ويوبيك في ألاسكا، ويوويت في كل من سيبريا وجزيرة سانت لورنس. وهم يفضلون أيًا منها على كلمة إسكيمو التي يعتبرونها مهينة، إلا أنهم، على أية حال، اشتهروا بالإسكيمو.
اتبع الإسكيمو عبر آلاف السنين أسلوبًا تقليديًا في الحياة منسجمًا مع بيئتهم. فمن المعروف أن الغالبية العظمى من الإسكيمو تعيش بالقرب من البحر. وقد وفر لهم ذلك أغلب طعامهم حيث اصطاد الإسكيمو الفقمات، وفِيَلَة البحر، والدببة القطبية، والحيتان، وكذلك الأسماك. كما اصطادوا أيضًا نوعًا من الوُعول يُسمَّى الكاريبو. وقد استخدم الإسكيمو جلود هذه الحيوانات في صنع الملابس. وفي فصل الصيف، اعتاد الإسكيمو العيش في خيام مصنوعة من جلد الحيوان، كما كانوا يبحرون في المياه القطبية في قوارب مصنوعة منه. أما في فصل الشتاء فكانوا يعيشون في بيوت من الجليد، أو ملاجئ مصنوعة من الطبقة العليا من التربة، وينتقلون على الأرض المغطاة بالثلوج بوساطة الزلاجات التي تجرها الكلاب. وكانت رحلات الإسكيمو الكبيرة كلها بحثًا عن الطعام. وقد كيَّف الإسكيمو حياتهم لتتلاءم مع فصول السنة وقرنوا أنفسهم بالتغيرات الموسمية تمامًا كما تفعل الحيوانات.
وبدأت حياة الإسكيمو في التغير في بداية القرن التاسع عشر الميلادي بعد توافد أعداد كبيرة من صائدي الحيتان وتجار الفراء الأوروبيين إلى أقصى الشمال، حيث انضم الإسكيمو إليهم في مهنة الصيد إلى أن تدهورت الصناعة التي قامت على صيد هذه الحيتان، وحينئذ تحول الإسكيمو إلى صيد الحيوانات ذات الفراء. وباع الأوروبيون للإسكيمو البنادق وبضائع أخرى مفيدة في مقابل الفراء وماكانوا يؤدونه لهم من خدمات. وأوشكت أنواع كثيرة من هذه الحيوانات على الانقراض كلية رغم حاجة الإسكيمو الشديدة إليها، ويرجع هذا إلى الصيد الجائر للحيوانات والحيتان. وبعد أن استخدم الإسكيمو البنادق الجديدة في صيد الحيوانات ارتفع عدد الحيوانات المقتولة. وباستعمال هذه الوسائل الحديثة، تغيرت طريقة الحياة التقليدية للإسكيمو.
ويبلغ عدد الإسكيمو ما يقرب من 120,000 شخص يعيشون في كل من روسيا وألاسكا وكندا وجرينلاند. ويعيش معظمهم في مدن أو مستعمرات صغيرة، ويلبسون ملابس حديثة ويقطنون منازل حديثة أيضًا، ويأكلون أطعمة مما يباع في الأسواق. ويعمل الكثير منهم في أعمال نظير أجر. ولكن الغالبية العظمى من الإسكيمو في ألاسكا وكندا، بخاصة، لايستطيعون العثور على وظائف ويحتاجون إلى مساعدة من الحكومة ليتمكنوا من العيش.
وللإسكيمو بشرة تميل إلى السمرة، وشعر أسود مسترسل، وعيون داكنة اللون، ووجوه مستديرة، وبروز في عظام الوجه، ويشبهون في ملامحهم شعوب منطقة سيـبريا بشمالي آسيا، ويشبهون كذلك الهنود الحمر، ولكن بدرجة أقل. وفي عصور ما قبل التا ريخ، كان أسلاف كل من الإسكيمو والهنود الحمر يعيشون في أواسط آسيا منذ أكثر من 10,000 سنة، ولكن العلماء يصنفون الهنود جنسًا منفصلاً، بينما يضمون الإسكيمو إلى الآسيويين الشماليين.
التاريخ القديم. نشأ أسلاف الإسكيمو في شمال شرقي آسيا. ويرى معظم العلماء أن الإسكيمو جاءوا إلى ما يعرف اليوم بألاسكا عبر ممر أرضي كان يربط بين آسيا والمنطقة الشمالية من أمريكا منذ ما يقرب من 10,000 عام تقريبًا. ثم اتجه الإسكيمو من ألاسكا ناحية الشرق، حيث توجد المنطقة القطبية لقارة أمريكا الشمالية.
ويرى الخبراء أن الإسكيمو انتشروا من ألاسكا إلى ما يعرف اليوم بجرينلاند في حركتين كبيرتين. بدأت الأولى منذ مايقرب من 5,000 سنة. ومن الجائز أن تكون الثانية قد بدأت منذ أقل من 1,200 سنة تقريبًا. ولايعرف العلماء بدقة المدة التي استغرقتها كل من الحركتين. ولكن في الوقت الذي بدأت فيه الحركة الثانية، كانت سلالة الإسكيمو التي قامت بحركة الهجرة الأولى قد انقرضت. ويُعد هؤلاء الذين قاموا بالهجرة الثانية أسلاف الإسكيمو الذين يعيشون اليوم في كل من جرينلاند وكندا وشمال شرق ألاسكا.
وصول الأوروبيين. يُعد الفايكنج من أوائل الأوروبيين الذين التقوا بالإسكيمو في جرينلاند بعد وصول الإسكيمو إليها عام 1100م . ومع بداية القرن السادس عشر الميلادي، بدأ التقاء المكتشفين الأوروبيين بالإسكيمو لأول مرة في المنطقة الشرقية من القطب الشمالي بأمريكا. أما الروس وبقية المكتشفين الأوروبيين فلم يلتقوا بالإسكيمو إلا في القرن الثامن عشر الميلادي.
وخلال القرن التاسع عشر الميلادي، وفدت أعداد كبيرة من صائدي الحيتان وتجار الفراء الأوروبيين إلى بلاد الإسكيمو. وبعد ذلك بدأ الإسكيمو في العمل لحساب صائدي الحيتان وتاجروا معهم، فحصلوا منهم على البنادق والذخيرة والحديد والخشب وبضائع أخرى مفيدة. ولكن الأوروبيين جلبوا معهم بعض الأمراض التي لم يستطع الإسكيمو مقاومتها. و لذا مات كثير منهم نتيجة هذه الأمراض.
وعلى الرغم من انهيار الصناعة التي قامت على صيد الحيتان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، فقد راجت تجارة أخرى ألا وهي تجارة الفراء. ولذلك بدأ كثير من الإسكيمو في صيد الحيوانات بالفخاخ وبيعها لتجار الفراء، وترتب على ذلك زيادة الاتصال بين الإسكيمو والشعوب البيضاء. وقد أدت هذه الاتصالات إلى حدوث بعض التغيرات في طريقة الحياة. فعلى سبيل المثال، مكنتهم البنادق ـ التي حصلوا عليها في مقابل الفراء ـ من الصيد بفاعلية أكثر. غير أنهم استمروا في العيش كما كان يعيش أسلافهم منذ مئات السنين.
ففي الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، سيطرت الحكومة على جماعات الإسكيمو خلال العشرينيات من القرن العشرين الميلادي ووفرت لهم الرعاية الصحية والإسكان والتعليم. وشجعتهم على إنتاج البضائع للبيع في البلاد. فعلى سبيل المثال، كان الإسكيمو في سيبريا يرعون حيوان الرنة منذ زمن بعيد بالإضافة إلى صيد الحيوانات. كما بدأ الإسكيمو أيضًا في بيع أنياب فيل البحر، وكذلك بيع منحوتات العظم والحجر الصابوني ومصنوعات يدوية أخرى.
وفي ألاسكا، أدى الصيد بالبنادق والفخاخ على نطاق واسع إلى انخفاض أعداد هذه الحيوانات إلى حد كبير مع بداية القرن العشرين الميلادي. وقد أدى ذلك إلى لجوء كثير من الإسكيمو إلى رعي حيوان الرنة الذي قامت بإحضاره حكومة الولايات المتحدة من سيبريا. وقد أصبح الإسكيمو مواطنين أمريكيين عام 1924م.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) عمل كثير من الإسكيمو في القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في ألاسكا. ولهذا هجروا رعي الرنة تمامًا. وبعد الحرب حصل بعض الإسكيمو على عمل إضافي تمثل في صناعة صيد الأسماك والبناء، وبعض الأعمال الأخرى التي يديرها السكان البيض الذين ازدادت أعدادهم. ولكن لم يتمكن معظم الإسكيمو من الحصول على وظائف. وقد أعدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية برامج لتحسين ظروف الحـياة للإسكيـمو. ورغم هذا، لايزال الكثير منهم يعيشـون في فقر.
المدارس أنشئت في كثير من تجمعات الإسكيمو منذ أوائل القرن العشرين. ولكن لايزال معظم أطفال الإسكيمو عاجزين عن الوصول إلى مرحلة التعليم الثانوي. وتقع المدرسة المبينة في الصورة أعلاه في شمالي كندا.
وفي كندا، تغير أسلوب حياة الإسكيمو قليلاً في الخمسينيات من القرن العشرين. حيث تدهورت تجارة الفراء وقلت أعداد حيوان الكاريبو إلى حد كبير، بعد اتباع أسلوب الصيد بالبنادق لسنوات طويلة. هذه التطورات أدَّت إلى تحول كثير من الإسكيمو إلى جماعات نشأت وتطورت حول مراكز التجارة، ومكاتب الإدارات الحكومية ومواقع الرادار وكنائس البعثات التنصيرية. واستطاع الإسكيمو العثور على وظائف في أعمال البناء وأعمال أخرى موسمية في هذه المراكز. ولكن لم تكن هناك أعمال تكفي كل أفراد الإسكيمو. ولذا اعتمد كثير منهم على المعونات التي تقدمها الحكومة الكندية في مجال الإسكان والمجالات الأخرى.
أما في جرينلاند، فقد بدأ كثير من الإسكيمو في صيد الأسماك للأغراض التجارية إبان أوائل القرن العشرين. وقد جاءت هذه التطورات نتيجة للتغير في المناخ الذي أدى إلى تدفئة مياه جرينلاند الساحلية، مما دفع الفقمات إلى التوجه نحو الشمال؛ وجذبت هذه المياه الدافئة أسماك القد، والسالمون وأنواعًا أخرى من الأسماك من الجنوب.
كانت جرينلاند مستعمرة دنماركية منذ عام 1380 وحتى 1953م حيث أصبحت مقاطعة دنماركية، وفي الوقت نفسه، أصبح الإسكيمو مواطنين دنماركيين. وخلال أوائل القرن العشرين الميلادي ومنتصفه، أعدت الحكومة الدنماركية برامج لمساعدة إسكيمو جرينلاند وقد وفرت لهم هذه البرامج تعليمًا محسنًا وإسكانًا ورعاية صحية. وبالإضافة إلى ذلك عملت الحكومة الدنماركية على تدريب الإسكيمو على وظائف في الصناعة والخدمات وجميع المجالات الأخرى.
منقول