سامحني يا أبي منذ اليوم لن تجمعنا مائدة واحدة ، تعبنا من النقاشات والدوران في حلقات مفرغة .
أنا يا أبتي ابنة هذه اللحظة ولست ابنة الأمس ، تلك الرقعة الخالدة هي موطنك يا أبي وموطن الأجداد ، أنا لم تحملني تلك الرقعة في رحمها ، لم أرضع من ثديها ، لم أتنفس هواءها ولم أستلق يوما ً في حجرها .
ولدت ُ على مركب تائه في إحدى هذه البحار ورسوت ُ على شاطئ منسي ليس له عنوان ، وقلبي لن ينتظر بعد اليوم فارسا ً يمتطيِ حصانا ً ينطلق من أسوار عكا الجريحة أو بيارات الكرمل والجليل .
ولدت في خيمة وولد معي هذا القلب ، كبرنا سويا ًوحملنا نفس الاسم ( فلسطيني ) وفي كل مكان أولي وجهي إليه أقول : فلسطيني أنا ، فتنحنيِ لي الرقاب وتُشد الأيادي وتهتف الحناجر : أنت ، أنت الفلسطيني ، وفي آخر المساء أسير وحدي نحو الخيمة ..
لماذا أنا ؟ لماذا ؟
قالوا : أنت ، أنت الفلسطيني .
قلت : ولكني ولدت هنا على أرضكم ورضعت من ثديها وتنفست هواءها واستلقيت في حجرها فلماذا الخيمة ؟
قالوا : أنت ، أنت الفلسطيني .
وهل انتظر يا أبي في هذه الخيمة ذلك الفارس المجهول على حصانه الأعرج يأتيني من تلك البقعة الجريحة ليقول لي : اعذريني فأنا رهن الاعتقال .
ماذا انتظر يا أبي؟وهذا القلب ماذا ينتظر؟ هل ينتظر المشيب وخضاب الحناء ؟
آسفة يا أبي لن انتظر .. تكفيني خيمة واحدة ، لا أريد لأولادي مزيدا ً من الخيام .. سامحني يا أبي .
لا تيأسي يا ابنتي
لا يا ابنتي نقاشاتنا لا تدور في حلقات مفرغة بل نحن من ندور فيها ، أكثر من ستين عاما ً ونحن ندور في هذه الحلقة المفرغة ونأوي في كل مساء إلى الخيام .
لا تهربي مني يا ابنتي ولا تجزعي ، أنا أدرك تماما ً قلبك اليافع وحلمك اليافع وأملك اليافع ولكن ما ضير الانتظار ؟
حتى ولو كان فارسا ً يمتطي صهوة حصان أعرج لكنه فارس يتنفس هواء تلك الرقعة الخالدة وينطق حروفها الصامدة التي تضاءلت بحورها في زمن التيه والنسيان .
هذه الخيمة يا ابنتي حوت بداخلها قلوبنا وأعمارنا وتاريخا ً من النضال منقوشا ً على جبين السنين .
يا ابنتي : نعم لقد ولدت ِ على مركب تائه ورسوت ِ على أحد ى شواطئ النسيان ولكنك ستبقين الغريبة وسط هذه الحشود المحيطة بك أتعلمين لماذا ؟ لأنهم لا يملكون سوى النظر إليك .
مصيرك هناك ، في تلك الرقعة الصغيرة ، موطني وموطن الأجداد ، هناك يا ابنتي فقط تستطيعين أن تخلعي خيمتك وليس هنا ، هنا ليس لنا إلا الخيام .
وأحلامك يا ابنتي وقلبك لن يروى هنا ، لن يروى إلا بتلك المياه المكتنزة في ثرى تلك البلاد .
انظري إلي يا ابنتي ، انظري في عيني َّ جيدا ً ، هاتين العينين لا يمكن أن تخدعك أو تضللك .
أنا لن أقف في طريق فلبك وحلمك إن أرتأيت ذلك ، ولكن تذكري جيدا ً أنه هناك ، هناك يا ابنتي في تلك الرقعة الخالدة ، موطني وموطن الأجداد ما زال لدينا أرض راسخة وبيت رحب
وتلال من الياسمين وجبال شامخة من الحب ، ما زالت في انتظارنا ولا بد أن نعود وتعود معنا هذه القلوب لنطيرها في تلك السماء مع أسراب الحمام والعصافير وسيداعب أريج البرتقال ونسائم الفل والعبهر وعبق التين والزيتون رئتيك الحالمة ويشجيها وستنعمين بحضن دافئ طول العمر يا ابنتي ، لا تيأسي يا ابنتي ما زال لنا بيت وأرض وسماء تنتظر ، ما زال لدينا وطن .
سيقى حلما وقد بات الحلم سرابا فالى متى يا وطن
غربة روحنا الى متى ؟؟؟؟