ليلى .. هل تذكرين ؟
مضى العمر ليلى ووهن العظم مني .. وحبك ليلى مختمرٌ في
فؤادي أعتقه وأرشفه وكلما أوشكت أنفاسي على هلاكها
أستنشقه فيسري في خلاياي دماً رقراقاً صافياً يجدد
أنفاسي ويرتق ثقوب الشرايين .
هي سكرات الموت ليلى وأعلمها علم اليقين ..
في قلبي صورتك تتأرجح طول السنين ..
دهراً أراها أمامي ..
لكنها اليوم تضحك جلية واضحة كأنها اللحظة يا ليلى ..
كأنها اللحظة .
هل تذكرين ليلى ركضنا في تلك الحارات حين كنا أطفالاً
نجري ونسابق الريح ؟
كنت أسبقك أحياناً وحين كنت تسبقينني أثور وأشد منك
الضفيرة فتنهمر دموعك بغزارة المطر عندها أشفق عليك
وألوم نفسي وأقبل منك اليد والجبين .
كبرنا ليلى وحفرت اسمك على شجرة التين وكلما تأخرتِ عن
اللقاء كنت أقفُ تحت نافذتك جوار شجرة اللوز المنغرسة
جذورها في جوف الأرض والمتسلقة فروعها حتى أقدام سريرك
وألقي إليك بثمارها الغضة فتوقظك على عجل وأسمع رنة
ضحكتك من خلف النافذة وأمّني نفسي في اللقاء .
آه ليلى ثم آه ..
هل تذكرين كتب الحكايات ؟
تلك التي كنا نتبادلها دوماً ..
كنت أضع لك خطاً تحت الكلمات والسطور وكنت تكتبين
لي في الهوامش والزوايا ..
وحين عثرت عليها الخالة على حين غرة صعقت وصاحت بعلو
صوتها : حرام .. حرام ..
ثم أخذتها ومزقتها وحرقتها وقرأت عليها بعض
التعاويذ ودعت لنا في الشفاء .
كبرنا ليلى وليتنا لم نكبر ..
ولم تركض فينا السنين ..
ليتنا بقينا نتفيأ ظلال اللوز والتين ..
ليتنا بقينا نتسابق ونجري ونشد الضفيرة ونقبل الجبين .
اليوم ليلى وليس معي في سكرات الموت سوى صورتك
المتأرجحة بين يقظتي ونومي وحبٌ عمره دهرٌ بأكمله أعتقه
وأرشفه فيمسي زادي ودوائي في هذه اللحظات ..
لحظات الاحتضار.
آه ليلى هل تعودين شجرة التين فتحفرين اسمي
هناك وتهزين بجذع شجرة اللوز وترمينني ؟
فهذه هي آخر ما أتمنى .. وآخر ما تمنحينني