مجرد صورة
تكاد الشوارع تخلو من المارة . سكون مطبق لايعكر صفوه سوى مرور بعض المركبات بين الفينة والأخرى . بدأت ندف الثلج تتساقط من السماء تباعاً فاكتست الأرض بحلة بيضاء . الكون يلفه ضباب كثيف يحجب الرؤية ، في مشهد يشي بالوحدة والكاَبة . تهب ريح باردة فتشعر بلسعات البرد وهي تخترق المفاصل عميقاً . الجو شديد البرودة في الخارج . اشتد به السهاد ليلة أمس ولعج الهم بصدره .
دس يده في جيب معطفه في محاولة مضنية للحصول على شئ من الدفء ولكن دون طائل . وبينما كان يهم بالصعود إلى الباص استوقفه مشهد امرأه في عقدها السادس كانت تقف خلفه ، شعر نحوها بعاطفة غريبة !
ياألهي ! كم يشبه وجهها وجه أمي ، كان يتمتم مع نفسه بصوت منخفض . أراد أن يبوح لها بما يعتمل في صدره من مشاعر وأحاسيس ولكنه لم يجرؤ . رمقها بنظرة حانية محبة وكان قلبه يخفق بشدة ، حانت منها التفاتة ، فعلت الحمرة وجنتيه وأطرق برأسه حياءاً .
بعد دقائق قليلة ترجل من الباص وهو مازال يجول ببصره بحثاً عن وجه تلك المرأة . دلف إلى المقهى وطلب فنجاناً من القهوة ، وجلس يتأمل البخار المتصاعد من القهوة . أشعل سيجارة وبدأ ينفث الدخان في الهواء وهو يسرح بخياله بعيداً حيث دفء الشرق.
على مقربة منه كان يجلس شاب ذو ملامح شرقية وهو يحتسي الشاي . بدأت تتراقص أمام ناظريه أجمل الذكريات وكانت ترتسم على محياه ابتسامة ولكن يشوبها حزن عميق لاتخطئه العين .أشعل سيجارة ثانية ، وثالثة وبدأ ينفث الدخان مجدداً بلذة ونشوة غريبة.
بعد لحظات أخرج من جيب سترته شئ ما وبدأ يتأمله بصمت وخشوع . كان يقبض عليه بكلتا يديه مخافة أن يضيع ، ثم أخرج ورقة وبدا أنه يكتب شئ .وفي تلك الأثناء كان الشاب الاَخر يرقب المشهد عن بعد .
فجأة خر مغشياً عليه فوق الطاولة وظلت يده اليمنى ممسكة بذلك الشئ. هرع النادل إلى الطاولة وتحلق حوله بعض زبائن المقهى الذين اعتراهم الفضول ومنهم الشاب الذي كان يجلس بجانبه ، وهم في حيرة . حاولوا اسعافه ولكن دون جدوى . دنا منه الشاب الاَخر ولشدة دهشته وجد فوق الطاولة صورة مهترأة لامرأة ، وبجانبها ورقة كتب عليها عبارة ...
سامحيني ياأمي !