شعب فجع في أبناءه .. حسرة وألم في نفوس شبابه ، أرواح لا تعرف بأي ذنب قتلت .. دماء لا تدري لماذا أريقت ؟ ، كرسي ملعون يتكالب عليه أعداء الوطن .. وشعب مظلوم مقهور هو دائما من يدفع الثمن ، عدو مهزوم وجد ضالته في كروش المتصهينين المصريين .. وعملاء لأماناتهم خائنين وفي مصائرنا متحكمين .. ليبقى سر المسألة في المدرعة .
ساعات عصيبة مرت علينا كأنها سنوات .. مأساة وشحت مصر بالسواد .. وفاجعة فجرت بداخلنا براكين الغضب الكامن في صدورنا منذ 19 شهرا، جنودنا يقتلون بدم بارد في مصر الثورة والكرامة، وحياة شعب بأكمله رهينة صراعات قذرة ودنيئة على السلطة ، دون أن يعرف أحدنا متى الخلاص .....
جميعنا انشغلنا بهذا الحادث الارهابي الجبان وبعفوية وعاطفية لا تفارقان سمات المواطن المصري غرقنا في بركة الدماء التي حفرها لنا أعداء الداخل والخارج، دون أن نفكر في تفاصيل صغيرة تحل هذا اللغز الذي استعصى حله على دولة السبعة آلاف عام .. دولة التاريخ والحضارة التي يحكمها الآن الإخوان !!
أما المجرمون الذين اعتادوا الضرب ثم الشكوى .. القتل ثم البكى فقد أمعنوا في تضليلنا واستثمار جريمتهم الآثمة لتنفيذ بقية خططهم الشيطانية، وعلى الجانب الآخر يؤازرهم حلفائهم الصهاينة .. شركائهم في الجريمة ومنصبيهم على رقاب الشعب المصري .
شغلنا الحادث الارهابي وتدعاياته التي انحسرت في الصراع السلطوي دون أن نفتش عن "المدرعة" وخط سيرها، وغالبا ستدفن أسرارها ومعها ثأر جنودنا .
ان المدرعة التي قال الارهابيين والصهاينة أنها محور العملية الارهابية، وأن الارهابيين قتلوا جنودنا من أجل سرقتها لتنفيذ عملية "جهادية" داخل فلسطين المحتلة تكمن فيها الأجوبة عن كل الاسئلة التي تدور بعقول المصريين ، لكن للأسف تركنا الرأس وتشبثنا بالذيل كالعادة .
في عالم التحقيقات الجنائية يقولون أنه ليست هناك جريمة كاملة، وأن المجرم دائما ما يترك خلفه ثغره تقود اليه، وأعتقد أن المحققين والخبراء من رجال المخابرات العامة والحربية يبحثون عن هذه الثغرة الآن في موقع الجريمة وداخل المدرعة، وهذا شأنهم .
أما في عالمنا نحن كمحللين ومراقبين نبحث بين السطور ونفند الأحداث لنصل لنتيجة منطقية، والغريب أن الظروف والملابسات التي تحيط بتلك الجريمة ليست مبهمة وواضحة وتكشف بنفسها عن الجناة من منطق من المستفيد ؟!
ودعونا نتوقف عند عدة نقاط رئيسية :
- التصريحات الصهيونية التي سبقت العملية
- نوع المدرعة ومهامها القتالية
- خط سير المدرعة وطريقة تدميرها
- الشو الاعلامي الصهيوني المصاحب للعملية
- اتهامات الاخوان للموساد ولعبة توزيع الادوار
- الحملة الاعلامية الشرسة على الجيش وتشويه سمعته
1- قبل 3 أيام من وقوع العملية الارهابية حذرت "اسرائيل" رعاياها بمغادرة سيناء، وهو ما يعني أن الموساد كان على علم مسبق بتوقيت ومكان العملية، وهو ليس سببا كافيا لاتهام "اسرائيل" بأنها المنفذ، وفي نفس الوقت لا ينفي عنها تهمة الشراكة في الجريمة، فمثل هذه العمليات النوعية والسرية لا يمكن لأجهزة الاستخبارات الكشف عنها الا من خلال مخططيها الرئيسيين .. وسيتضح من بقية المحاور أن "اسرائيل" ليست المخطط الوحيد وليست المنفذ أيضا، لكن التحذيرات الاسرائيلية المسبقة كانت ضرورية خشية على مواطنيها من ردة الفعل الغاضبة التي قد تطالهم عقب تنفيذ العملية .
2- المدرعة التي تسمه مجازا بهذا الاسم، هي مجرد عربة نقل جند مصفحة من طراز "فهد" وهي مصرية الصنع ومخصصة لنقل الجنود وهي لا تحمل أية أسلحة ثقيلة ولا حتى رشاش سريع الطلقات "م . م"، وهي أيضا ليست مجنزرة ولا نصف مجنزرة وتسير على عجلات مطاطية، وكل مميزاتها أنها مضادة فقط للرصاص وليست عربة مقاتلة كالمصفحات والدبابات، كما تستوردها عدة دول عربية وافريقية كتصمم مصري فريد بديل عن ناقلات الجند التقليدية، وتحظى هذه القطعة بسمعة جيدة، وتعد احدى أهم الصادرات العسكرية المصرية، ما يعني أن ضربها وعرضها بهذا الشكل المهين من ضمن أهدافه توجيه ضربة للصناعة العسكرية والاقتصاد المصري، كما أن هذه الصفات المتواضعة للمدرعة تنفي أقاويل الارهابيين الذين ادعوا انهم سرقوها لتنفيذ مهمة داخل العمق الاسرائيلي، أما الدعم الصهيوني السريع لتلك التصريحات الكاذبة المفضوحة فقد جاء هزيلا وغير مقنع، فاسرائيل تقول ان المدرعة كانت محملة بنصف طن من المتفجرات، في اشارة الى عملية انتحارية داخل بلدة اسرائيلية، لكن وبنظرة سريعة على وضع المصفحة أو المدرعة بعد تدميرها يتأكد لأي مواطن بسيط وليس خبير بأنها كانت خالية من المتفجرات، والجميع يعرف القوة التدميرية لـ500 كيلوجرام من المتفجرات، مع الأخذ في الاعتبار أن صاروخ مالوتيكا المضاد للدبابات والذي يحول الدبابة الى اشلاء اجمالي وزنه 10 كيلوجرام ورأسه التدميرية لا يتجاوز وزنها الأربعة كيلوجرامات، أما مدرعتنا الخارقة الغير مجهزة أساسا بتصفيح مضاد لقواذف "آر . بي . جي" فقد كان حصاد ضربها بصاروخ موجه من الاف16 الصهيونية وتدمير نصف طن متفجرات بداخلها مجرد حريق أتي على طلائها وعجلاتها المطاطية !!
3- ان هذه المدرعة التي سرقها الارهابيين لم تقطع قبل تدميرها سوى 300 متر داخل الأراضي الفلسطينينة المحتلة في زمن قدره 19 ثانية، وكانت هناك مروحية من طراز أباتشي بانتظارها لتوجه لها صاروخا ليتم تدميرها داخل العمق الاسرائيلي ما يؤكد أن تل أبيب كانت قد وضعت اللمسات النهائية على الخطة وقررت التخلص من كل أدلة الادانة، أو بمعنى آخر قرر المخطط تصفية المنفذ وطمس آثار الجريمة بعد أن حققت أهدافها في سيناء .
4- المتتبع لردة فعل القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية وكذلك تعاطي الاعلام الصهيوني مع هذه العملية يتضح له الكثير من الأمور، فها هو نتنياهو ووزير حربه ايهود باراك يقفان مزهوان منتشيان يلتقطان الصور التذكارية بجوار هيبة العسكرية المصرية المحترقة كما خيل لهم، ومن ورائهم تسير الآلة الاعلامية الصهيونية في اتجاهين، الأول موجه للغرب ويروج لعجز الجيش المصري عن تأمين سيناء، والثاني موجها للشعب المصري، لزيادة الأعباء والضغوط على المؤسسة العسكرية المصرية .
5- أما في الداخل المصري فقد سارعت جماعة الاخوان المسلمين لاتهام الموساد بتنفيذ العملية، وترد عليها اسرائيل بالنفي، بشكل يوحي باحتمالين لا ثالث لهما، الأول يخضع لنظرية توزيع الأدوار، والثاني ينم عن خيانة أحد الأطراف للطرف الآخر
6- وفي الداخل أيضا يواصل جيش الاخوان الالكتروني تشويه سمعة الجيش المصري والعبث بشرف العسكرية المصرية، تحت غطاء الهجوم على المجلس العسكري وتحميله وحده مسؤولية هذه الجريمة، وامتلأت الصفحات بالهجوم على الجيش المصري وسياسته وشمل الهجوم العقيدة القتالية المصرية .
ورغم أن هذه البنود تكشف عن هوية الفاعل والمستفيد من هذه العملية الارهابية الجبانة، الا انها تدعونا للتوقف عند بعض الحقائق التي ترتبت على هذه الجريمة .
فالشعب المصري يستعد الآن لنزول جميع ميادين مصر في ثورة عارمة ضد حكم الاخوان وللاطاحة بمحمد مرسي، ومن جهة أخرى تراقب الولايات المتحدة واسرائيل الوضع المحرج لحلفائهم في مصر، وكان لابد من عملية كبيرة لتحويل الأنظار وتوجيه السهام تجاه طرف آخر .
أنا هنا لا أدافع عن المجلس العسكري وأطالب بنزع يد العسكر من الحياة السياسية، لكن ما يحدث لمصر الآن وما يحاك لها يجبراني على الوقوف بجوار المؤسسة العسكرية وحمايتها من الأخطار المحدقة بها .
هناك خطة لتدمير الجيش المصري وهي ذاتها الخطة التي نفذت في حق الجيش العراقي ويحاولون تنفيذها مع الجيش السوري، وهناك عملاء مندسون بين ظهرانينا بعضهم وصل لأعلى مراتب الحكم في البلاد والبعض الآخر يعمل كخفافيش الظلام وهم خونة مأجورين .
ان العملية الارهابية التي نفذت في حق جنود مصر والتي اشتركت فيها عناصر ارهابية مصرية وفلسطينية وبتخطيط من الموساد لا يمكن أن تمر مرور الكرام، فدماء اخواننا ليست بهذا الرخص وكرامة مصر أغلى من أرواحنا، واذا كنا قررنا النزول للميادين واحياء الثورة لاسقاط الاخوان وحلفائهم من العسكر، بعد ما لاقته مصر من ويلات طيلة الشهور الماضية، فان أهداف النزول تتعاظم الآن وقد جرح كبريائنا وضربت كرامتنا وانتهكت حرمة ديارنا، والويل كل الويل لمن عبث بكرامتنا وكرامة مصر .