خرجنا يا بني في ليلٍ حالك يُخفي ملامح طريق العوده عن بصيرتي ، وحيث العتمه لم يكن لنا هناك من انيس سوى ضوءٌ خافت ترسمهُ على وجناتنا البائسه اغصان الاشجار على حواف الطريق .
دربٌ طويل منقوشٌ على حوافهِ الدمار ، لوحات ترسم لونا آخر للهزيمه ، وتعطي مفردةً اخرى تعكس معنى الذل والهوان. وحيث كانت تتصافح ضِفاف النهر ، وتتعانق بحرارة الاخوه التي ما زالت تُبددها تيارات الريح العاتيه حتى فتت اوصالها كنّا نقصد الوصول.
وحيث لا نعلم حطّ بنا مركب الحياه ، على شاطئ ضِفافهُ الاوهام ، اخوه حاكها لنا العدو ، في مسرحيه ادوارها مسبوقة التنبؤ كانت هي احداث قصتي ومن خرج معي مُسافراً تطويه الازمان بعيدا عن ضيعتنا العزيزه التي لم يعد لنا منها سوى بعض الذكريات ، وقليلٌ من وَمَضات الصور.
نبعةُ ماء ... شجرة زيتون ... اطفال ... شيوخ ... ازقه ورائحة التنور ، كلها كانت معالما لتلك الضيعه ، البساطه ، الطيبه ، النقاء ، والإخاء كانت لغة من يقطنها.
إلى ان بعثر الغاشم خطوط عرض خريطتها ، وافقدها معالمها البريئه التي عُرفت بها ، حتى صوت الشحرور ما عاد يصدح على ابوابها ليُخبر من داناها عابراً للسبيل انهُ قد اصاب تلك الضيعه المفقوده، ولا ريح الدحنون.
هاك بني هذا المفتاح ، هو آخر ما حفظتهُ امي من عهدٍ لزوجها المفقود. خذهُ بني وابحث عن ضيعتي ...
ابحث عنها بني ... في السطور المبعثره ... في صفحات الماضي ... وفي سالف العصور ...
وليكن المولى لك مُعينا بني ... فما اصعب من تحملهُ راحلتهُ في رحله ضالتهُ فيها
وطـــن مسلــوب