خلجات نفسٍ...
تبحث عن ذاتها
تفتش عن طريقها..
تتلمس درب هدى
تتوق لأن تلقي بالأحمال والأثقال عن كاهل..
تُحدثُ الصحب َ بقرب الرحيل
..خلجات نفسٍ..
في شهر الصبر,,تذوق رحيقاً..
يداوي جرحاً بليغاً..
كان للذنبِ فيه ألف حكاية..
خلجاتُ نفسٍ
أحكيها ..
مرتبة..أو مبعثرة..
متناثرة الحروف
أو مجموعة ..
إنها..لحظات صمتٍ
ولحظات ضوضاء..
للروح فيها حديث..
وللنفسِ نزاع وقتال
...خلجات نفس ٍ...
مقاصد عالية..ترومها ..
نفسٌ
أضناها السير..تداوم طرقاً..
تعتلي صعباً ..لتنال مراداً..
يحبّه الربّ ويرضاه..
كونوا معي..
في خربشاتي
عطـــــــــاء
(1)
هاهو كلّ شيءٍ يؤذن بقرب ِ دخول الشهر..ماهي إلا دقائق معدودة
ويحتضن الكون تلك النسمات الشذية..ويترقب من مولاه نفحات إيمانية
مشاعر مختلطة بين فرحٍ وخوف هجمت هُجوماً على النفس..
حتى باتت بلا معالم..
رهبة تخالطها رغبة..
أملٌ..بل آمال تصطف متزاحمة لتعلن عن حاجة..
وكلها تطرق بقوة كأنها تعظ النفس ..أن تحركي
ولاتخذلينا..فنحن بكِ..
إن أقدمتِ وتخطيتِ الصعاب كنا لكِ عوناً..
وإن فاح َ ريحُ كسل وتراخي..
فسمعٌ وطاعة!!!
مانريدهُ كثير..
ولكن مانُوفق إليه ..لايعلمه ُ إلا الله..
فحقيقة مانزرع..
لايعلمه إلا الله..
تزاحمت هذه الأفكار ..لتعلن توثباً على النفس..وهجوماً..
لتضعف سير..
أُسقط في اليد..
وتبددت أحلام..
وكادت تتلاشى..
لولا أنّ ذلّ لسان..
بــ ( لاحول ولا قوة إلا بالله)
لاحول ولاقوة إلا بالله..
فأعنا..
لاحول ولاقوة إلا بالله
فنحن بحاجة إليك ياربنا
لاحول ولاقوة إلا بالله..
اعتصمنا بك وأقبلنا..
لاحول ولاقوة إلا بالله..
فاقبلنا وتقبلنا.. (2)
نفسي تتغرب علي..أراها في لحظات مجتمعة حتى تبدو واضحة
بكل ملامحها..حين تتوق للخير وترجو الكريم المتعال..
وتارةً أراهاتبتعد عن الاجتماع فكأنني لاأعرفها..وتصبح شيئاً هُلامياً لاأستطيعُ إمساكاً به..يراوغ..ويبعد..يبعدُ كثيراً..
أحاول الاقتراب بلطف..خوفاً من هروبٍ لاعودة بعده..
كم تمنيتِ في هذه اللحظات أن أمتلك قوة عظيمة لأحتضن
رمضان وأودعه قلبي ...
لكن..
أبى الله إلا أن تكون مجاهدة وصبر..
وابتلى بنفس ٍ تتفلت..وتركن لراحة وتحلم بحرية فوق العادة..
ومع إقبالها وإدبارها
ومع صولات وجولات
يُطل شبح الرحيل..
ليذكي الروح..
كي تسابق..
قبل الوداع..
فها هو اليوم الثاني أخذ يلوح بالرحيل..متسائلاً
ليترك عبرة..
خلفه..
ترى...أين آثار صومك...؟؟!!!! (3)
أخذالتعب يزحف إلى جسدي المرهق ليعلن سطوة الألم..
وكأنني قد أسلمتُ قياد نفسي إليه ليعبث بي ويسل مابقي من
قوة ليجهز عليها..لم أحب أن أكون أنا هنا ..
في ميدان مسابقة قد ألقيت بسلاحي..بعيداً عني..
وأنا أنظر إليه أستعطفه أن يأتي إلي..
أماني باطلة..
وأوهام فارغة..
هكذا رأيت أحاديث نفسي..
أتراني أسلم البقية الباقية وأركن إلى سود ليالي..
خيّل إلي..
هذا اليوم..
ماثلاً أمامي..
يستعطفني..
أنّ أدافع عنه من قطاع طريق..قد ترقبوا مروره..
وكلما استسلمت لأنين ألم..
تردد صوت رجاء في عقلي يذهب بمترفات أيامي..
لاتُسلميني لهم..
لاتسلميني لهم..
إياك ِ أن تفعلي..
صوته الراجي أمعن في
اختراق ..
ليعلن سطوته على نفسي....
((إن بين أيديكم عقبة كؤوداً لاينجو منها إلا كل مخفٍ))
فبادري بالتوبة والعمل..
(4)
كريشةٍ تشتاق وصولاً إلى الأرض ..أو مكاناً تحط عليه ..
كانت نفسي اليوم ..تعاني هذا الشعور وترهبه..
هذه أيام الحبيب بدأت تتناثر كعقد ٍ انحلّ نظمه..
أخشى أن يُحلّ نظم نفسٍ مع تساقط حباته
وتدحرجهابعيداً...
لتذرني لوحدي..مفلسة..
من كل شيء..إلا من سيئاتي..
آه ما أقسى هذا الشعور!!
أن ينفرطَ ما اجتمعت عليه..
أو اجتهدت في جمعه ونظمه
وتحصيله..
والنفس في إقبال وإدبار..غير مطواعة..
تحلِّق في علو ترجو رحمات الرحيم..
وتخشى من ثقلة الطين أن تُمعن في جواذبَ لنفس ٍ
اعتادت على انفلات..
أليس هذا أوان تحصيل الزاد..
فهل تُكفُّ يدٌ عن تحصيل..!!!
إيه يانفس..ما أشقاني بكِ..
كفي..عن خداع..
وتزودي لتلك الدار....
فكم من منقطع بلا زاد...!!! (5)
قاربت نفسي ودنت من ضفاف يأس سيطر
ليذهب بجمالٍ قد امتدّ في الأفق ليعلن جمالاً آخر للوجود
إنه جمال
العبودية لله عزوجل..
أن يترنم الكون سماءه وأرضه ترتيلاً..
وأن تلين أعطافه سجوداً وركوعاً..
وكأنما أذنٌ تصيخ بسمعٍ لزجل تسبيح..لتكون في تلك اللحظة
لاشيء..
نعم لاشيء
أمام ذلك الخضوع المهيب..
وبهيبةٍ غشت تلك النفس التي فرحت بتسلط يأس لتطلق من قيد..
انتفض فؤاد لجلال عظمة الربّ ..
فذلّ ذلك الجسد الهزيل الذي أضنته سياط اليأس ليعلن استسلام
ولان منه كل شيء..
ليذل لسان..
بتسبيح وتبجيل لمولاه..
((وماقدروا الله حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات
مطوياتٌ بيمينه...))
وينطرح على أعتاب سيده
حين تجلت له عين الحقيقة..
أن أقرب بابٍ دخل منه العبد على الله
تعالى هو,,الإفلاس,,!!!
(6)
طال تأملي في هذا اليوم..لاأعرف ماذا دهاني
كأنها نسائم جذلى تستحثّ الروح أن تتوقف لتدرك أسرار
هذه الأيام التي تتوالى..لتقلب صفحات من العمر مولية
ولتطرق على فؤاد حي ببصمات لاتمحى..
أنت تسير إلى مولاك..
بقلبك..
وعملك..
بصومك..
وطاعتك..
تسير..
وإذا عصيت..تتوقف عن سيرك..ويدركك قطاع طريق..
أنت , وأنا , ونحن..
في سير للآخرة..
تسير بنا أيامنا مسرعة..
تُسلمنا..إلى آجالنا..وتمضي
وسائر يسير على قدم..
وآخر يمتطي دابة..
وثالث يعتلي مركباً..
كلٌ بحسب سيره..وطاعته..
مطايانا للآخرة..
لاتتوقف
ولاتستجيب لمنادي
ولاتقبل ممن يساوم
تسير بأمر ربها
نحو هدف خطّ لها..
الليل يسلمك للنهار..
والنهار يسلمك لليل..
لاتلتفت..
تمضي..
ليالينا
وأيامنا
هكذا..
دون توقف..
حتى نتوقف عن الحياة
ونضع الأحمال..
(( يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك))
فليذهب يومك مضمخاً بعبير الطاعة..
(7)
تقلب النظر في زوايا نفس ٍ قد اكتنفها شهر الصوم بسكونه..
تبحث عن شعاع أمل لاختراق النور لتلك الظلمة التي قبعت هناك
فوأدت الحياة بسكون مسيطر..
تتلمس داخلك وكأنك تخشى أن تتلاشى نفس مع تلك اللمسات
الآملة..تكاد تجهل من أنت ؟؟ وماذا يسكن في داخلك..!!
وحين ترى أن الأمر كما هو لم يتغير ..يسيطر يأس مقيت على سمائك ..ليس من الرحيم الذي ترجوه كل نفس مؤمنة..ولكن من نفس ٍعزّ عليها
فراق إلفها..
واستماتت في دفاع عنه..
كأنني أنظر إليها تقاتل من أجل ما تحب!!!
ومن تحب..!!!
بكل ما أوتيت من قوة لتحظى بمرادت نفسها..
فلم لاأتعلم منها؟؟!!
حدثتُ نفساً بذلك..
لمَ لاأتعلم منها ..أنا أقاتل من أجل ما أحب ومن أحب..؟!!!
لمَ لاأتعلم منها كيف أستنفذ كل قوة من أجل من أعبده وأرجوه
وأضحي في سبيله بمحبوبات ومألوفات!!؟
لمَ لاأتعلم منها كيف يكون المرء حازماً عندما يريد وصولاً لهدف؟!!
لمَ لاأتعلم منها كيف تتفجر قوة من روح ساكنة لتنبع بحياة ؟!!
(
كأنما حبلٌ أراد أن يلتف حول عنق ليمارس جرّا لروحٍ على قارعة طريق
هكذا كانت نفسي تنظر إلى خطّ النهاية..نهاية رمضان فكأنها تحاول أن تختصر كل المسافات بنظرة خاطفة تحملها إلى خط النهاية ..لتنتهي
من الشهر..
شعور خفي يدبّ دبيباً خفياً داخل نفس ليعلن تحفيزاً لإلقاء كل
شيء..بل لأكون صادقة التخلص من كل شيء يعيق دون وصول
إلى لذات عاجلة..
آه يانفس..كيف تتفننين في تعذيبي وراحتك أريد..
هوجاء ..رعناء أمنيات..حمقاء نهايات..يسعدك بريق زائف
ويثقل سيرك ..تجرد غاية...وجمال متابعة..
أطال الطريق بكِ فاستثقلتِ سيراً..
ألهب الروح جرّ قدم في ميدان سباق..
فاعتصمت ..
ووآوت..إلى ركنٍ شديد..
إيه يانفس..
أما عدتِ تحتملين!!
ولسير ٍ في رضى المولى تستثقلين..
إيه يانفس..
اصبري..وصابري..
واعتلي أقدام صبرٍ..لعلك تدركين..
اعتلي أقدام صبر..فلم يبقَ إلا القليل..
(9)
كانت سماء نفسي صحواً ..هذا اليوم ..تنفسَت عبق الصباح لينصب
الأمل شراعه معتلياً مركب نجاة..
كل شيء يُحدِّث أن الطريق أوشك على نهاية..فاستثيري العزم
وانثري وروداً في طريق صعاب..
وارفعي الرأس إلى السماء... وانظري كم نجماً يشاطرك هموم ليلتك..
هل تطيق النفس إلا أن تعلل ..بقرب وصول..
إيه يارمضان..
كل عام
تمر..وتصخبُ دنياي..
فتسعد الروح بقدوم
وتطرب الروح فتراك في كل شيء..
وكم حكت همهمات..عن جميل صورة..
وعن عبير ٍ تضوع في أرجاء نفس ٍ ذابلة..
وتمضي يارمضان معتلياً عجلة أيام
لتنسل روحٌ معك...
وتمارس عداً لأيام..
وتذوي لرحيل..
فمابالي اليوم غير ذلك..!!
حين أوشكت رحيلاً..عن مزهر دنياي
تريد الروح أن تستأثر بك ..
فلا تريد أن تراك إلا في مرآة نفس..
وتتعلق بحبال أمل ٍ راجية ألا ترحل إلا وقد
تركت شيئاً منك في مرآة نفس..
فأكون بعضاً منك..
بل أكونك كلك..
فهل أرجو..؟!!
(10)
أخذت ترتسم في سمائي التي تشع بنجوم الأمل..صورة رمضان
الفتي في نفسي حين قدومه كيف كان!!..
وكيف هو الآن, ترتسم على محياه صورة هرم روحي
الذي أبى إلا ظهوراً على صفحات أيام قادمات
هالني مارأيت..
وأقلقني كثيراً..
كأن بقايا روح أو شكت أن تهم برحيل وتودع دون عودة
وكأن رسوم تجاعيد أخذت تعلو على صفحات أيامي..
لم أتمنى أن أرى صورة نفسي في صفحة ممتدة..
تمضي بعيداً عني وقد حملت بعضاً مني..لكنه هو هو ..وهي هي
لم تتغير..ولم يسكب رمضان الخير عليها من فيضه فتزهر
باقيات أيام ٍ من عمري..
وكأنني في ميدان معركة..
قد هجم العدو عليّ وأنا عارية سلاح..
وأنفاس الخوف الثائرة في صدري على تفريط
تلومني..وتمعن في رجاء..
هاهي باقيات من أيامٍ ومن أعمال تلوح أن انهضي
وانفضي عنك غبار دعة ..وعطن كسل..
وكأنني في لحظات أخيرة من عمر مودع
تلح ّفي استغلال بقية باقية..
ويعلو الأمل في رب رحيم..
ويضج صوت الرجاء في أرجاء نفس ٍ..
وتتمسك روح بحبال عصمة لتعلن من اليوم بداية جديدة لرمضان
لتشمر عن ساعد جد ٍ ..
رمضان ابتدأ..الآن..
فهيا شمري للعمل..
(11)
وكغريق ٍ تعلّق بقشة ٍ هشةٍ لُينقذ نفسهُ من غرق ٍ
تمكنَّ منهُ بل قدأحاط َبهِ.. واشتدّ جذباً لجسدٍ هزيل
ليلقي به في قاع ٍ بعيدٍ اشتدت ظلمتهُ.. بين أكوام ٍ منسية..
استنمرتْ تلكَ النفس لتتشبث ببقيةٍ من حياة
وتدافع عن صوم يومٍ... من قطّاعِ طريق ولصوص أوقات
قد تكالبوا..واستعدوا..وتربصوا..
وكأنها تستدفعُ مدّ نفس ٍ متفلتة.. ومدّ الآخرين لتحظى بتلكَ
الروح في مركبِ نجاةٍ..
لتعلن سفراً وترحل بعيداً..حيث لاغيوم تلبّد سماء إيمان..!!
ما أشدّ المقاتلة حين يستوفز كلّ شيء ٍ فيكَ..
ليكون يقظاً ويتمكن من دفاع ٍ وهجوم ..
بل عدو ٍ من الداخل يرقبُ ثغراتِ نفسٍ تعاني غفلة..
لينقضّ على فريسة فيُشبعها نهشاً..حتى تغدو أشلاء ممزقة تئن...
وآخرُ يترقبكَ..ويُجلب عليك في كلِّ لحظةِ سكونٍ تخلو فيها بربِّكَ
وتجمع ُبها شتات نفسكَ.. لينقضّ عليكَ بأنفاس ٍ رمادية وقرمزية
لاهية وعابثة ومشتتة..ليصرفك عن مقصود..وهذا مايريد!!!
صوتٌ من الداخلِ يصرخُ بعمق ..أن توقف فقد آذيت..
وصوتٌ من الخارج ..يدافع ببسالة..
و لصُّ الطريقِ لايكلّ ولايملّ..
يتعرض لهذا ..ويهجم على ذاك..ليظفر ببُغيتهُ..
آآآه..
يارباه ما أرحمك بعبدٍ ضعيف..أنقذني..واعصمني..
تلاشت قوةٌ من يوم ٍ مضني في دفاع..لتؤذنَ بسقوطِ جسد..
لكنّ بسمةٌ في ثنايا روحٍ انفرجتْ عن ثغرِ أملٍ لتُحدَّقَ في
السماء برجاء ..ترجو مولاها..
وتتنفسُ عبير حب ٍ قد طغى في حضوره..
تتراءى لها صورة نفس..ضعيفة..قد كست لوحة الأفق ألواناًجميلة
حين استماتت في دفاع ٍ عن حبيب..لتحظى بلطف..
تبسّمَ رمضانُ في الأفقِ الممتد..ليتضوّع عبيرَ أملٍ في نفسٍ
محزونة..ليشدّ على يد..وليذكي شعلةَ حبّ...وصدقٍ.
تلوحُ من بعيدٍ لتعطي درساً...
إنّ الصادقَ لايسكنُ أبداً..بل هو في حركةٍ دائبةٍ..لايتوقف
إلا بتوقف ...آخر نفَسٍ..
(12)
مشاعر الحزن أبت إلا أن تخيم على سماء نفسي..
حاولت أن أبدد تلك المشاعر الجاثمة على صدري..لكنني عبثاً كنت أحاول
كأنما هو شيء صغير يكبر يوماً بعد يوم في نفسي..وبمضي الشهر
يزداد عمق الألم في تلك النفس البائسة..
أتراني حزينة عليك يارمضان
أم على نفسي المفلسة إلا من رحمة الرحيم..
ترى كيف سيكون فراق أيها الحبيب..
ولأول مرة أشعر أن رمضان أتى بحلةٍ غير الحلة التي اعتدتها
أتراها أحزان نفس ٌ أم غشاوة ذنب حجبت عن الرؤيا..
لازلت أتعلق بحبالك..
أهمس لك أيها الحبيب
لاتمضي..
فلا زلت مقيمة على حال ضعف..
لاتمضي..
فروحي تشتاق لعبير أيامك..
لاتمضي..
وتذرني مفلسة..
لاتمضي..
وقد ودعتك..
وبقيت ُ أنا كما أنا..
(13)
وكأنني في صحراءَ جرداء..ساكنة..خالية من جنس بشر
إلا مني
هكذا شعرتُ حينما نادى الإمام بصوت يقرعُ القلوب فكاد ينخلع فؤاد:
" الصلاة جامعة"
" الصلاة جامعة"
" الصلاة جامعة"
طار كل حرف ٍ من نداءٍ بصوابي..حتى خِلتُ نفسي وكأنني
أجري بلا هدف ..وبلا وعي..وقد طاش مني كل شيء..حافية
عارية..من كل شيء..إلا من سيئاتي..
وكأنّ السماء قد كشطت ..وزالت ..وأظلمت مني نفسي
بذهابها ....فزادت من عري روحي الثكلى..
وكأنّ الجبال قد نُسفت..فغاب عن عيني ملاذٌ ألوذُ به يؤيني...
وكنقطةٍ متناهيةٍ في الصغر ,صار الكون في عيني ..
فتلاشت في عيني دنياي فلم تعد تسعني...
ولهاثُ نفسٍ يعلو فيرتفع بصدر مثقل.. ليعلن فراراً من كل شيء ٍ
إلا من مولاه وسيده..
ياالله..
أين نحن الآن؟؟
أترانا في دنيانا نسير..
أم أنّ أقدامنا بنا تطير!!!
ياربنا أين نحن أفي دنيا البشر
أم أننا قد غادرنا إلى تلك الدار!!!
تشظت نفسٌ.. في كل ناحية... فلم أستطع لها جمعاً..
يا الله ارحمني..!!!
وبعينٍ محدقة.. في ذلك القلب الحسير..أطلقت النظر
إلى سماء أمل..وامتدت تلك النقطة التي ضاقت في نفس ٍ
اتساعاً بامتداد أفق..
وانطلق صوت مكلوم مضطرب كاضطراب حروف
" الصلاة جامعة"
وكاضطراب فؤاد طير صغير يمارس تحليقاً في سمائه الصغيرة
ليدوي في ذلك العراء..صوتٌ مجلجلٌ..
رباه..ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا لنكونن من الخاسرين
رباه..ظلمنا أنفسنا فارحمنا ولاتعذبنا..
ربنا.. ظلمنا أنفسنا وزلت بنا أقدام في أوحال المعصية ..فلا تؤاخذنا
رباه..لاتعذبنا وتجاوز عن خطايانا..فإنا لانطيق عذابك...
(14)
نسائم رمضان تعبث بروحي الساكنة المترقبة..وكأنها تحدوللأمل
كأن القلب يهمُّ بابتسامة هادئة..
مشاعر سعادة خفية تنساب في ثنايا نفس ٍ حزينة بلطفٍ ..
كأنني أرى رمضان اليوم حقيقة ماثلة أمامي يرسم لي
حقيقة أخرىلم أكن لأفطن لها..
إنها حقيقةالدنيا..وحقيقة الإنسان..
نعم!
إنّ دنيانا أضغاث أحلام منقضية..تُشغلنا ونُشغلها ثمّ تمضي..
لكنّ رمضان حقيقة باقية..بقاء آثارنا... بما أودعناه فيه
وبما حملناه من هدايا نُعمّرُ فيها داراً طال انتظارها لقدوم..
و حياتنا هذه التي تغرنا..وتمتد معنا بامتداد آمالنا..قصيرة..
نقطعها سريعاً بعمرٍ منقضي كحديث الركب
ومهما تشبثنا بها...ومددنا حبالاً من آمالٍ في بقاء
فسيأتي مايُقطّع هذه الحبال..برحيلنا..وتخرمنا المنون..
لكنّ رمضان خلاصة عمر يودعها إنسانٌ فيه..
وعمرٌ ممتدٌ مبارك يَخلفُ العبد ليلقاهُ هناك...عند باب الريان
وأعمارٌ تُضاعف ..لمن أدرك تلك الليلة الجليلة فوافقها بعمل ٍ حسن
ليستدرك أعماراً فاتت لم تستغل في طاعة ..
رمضان حكاية بداية..ونهاية
حكاية قوة ..وضعف
حكاية إدبار..وإقبال
حكاية أمل..وشروعٌ في يأس..
رمضان حكاية إنسان...وحكاية زمان
فما أجمل الحكايتين إذا
كانت نهايتهما ..سعيدة..
(15)
علا الضباب مدينتي وعبثت ضوضاء المركبات بسكوني ..
وحرك شرارة بداخلي..هذه الأصوات أيقظت نائماً بداخلي واستحثته
أن يحاول فوزاً في الساعات الأخيرة..لعله يدرك مالم يدركه غيره
شعاع الأمل يغشى نفسي ويخلق مزيجاً نورانياً من السعادة والفأل
وحسن الظن بالله عزوجل..
لقد بلغنا النصف
نعم!!
هنا انتصف الطريق فإما إلى زيادة وإما إلى نقصان
وعلي أن أقرر وأنا أتأرجح بين الشعورين..
نفحات رمضان سُكبت في فؤاد..
فأنّى لليأس أن يغتال شعاع الأمل في نفس ترجو الخير
من مولاها
وإن كانت مفلسة من نفس ٍ مغرورة بزخرف دنيا
يالله ما أجمل الأمل..
حين ينشرح به صدرٌ... فيتسع باتساع الأفق الممتد
وحين يحمل العبدفي فؤاده حسنَ ظن ٍ بمولاه ..
ويسير في دربه المحفوف بالمخاطر ...وهو واثقٌ بأنّ الله معه..
شعور ندي يرطب نفس تشعر بجفاف..ونداوة ضبابٍ في الخارج
تخلق مزيجاً لاأكاد أميزه من شعور متضافر بين الداخل والخارج
أيام قليلة وستنقضي..يارمضان..
وسترحل وتترك آثاراً في نفوسنا..
امضي ...فإن حبك تجذر في نفس ٍتأمل بلقياك كل عام
امضي ..وانثر ورودك على روح ٍ قاحلة..
امضي..وانشر عبيرك في الأفق لتتضوع روح بعبير إيمان
امضي يارمضان..وخذ معك أقبح مافيّ وألقهِ بعيداً..
امضي ..وسأنتظرك ..إن كان في الحياة بقية..
(16)
طرق صوت الخطيب المجلجل فؤاد -يلتذ بطول منام وسبات غفلة-..
في حديثهِ عن رمضان..وعن ليلة العتق من النيران..
ومايشرع من الدعاء في تلك الليلة ..
وإذ بدموعه السواجم تسبقُه لتتحدر على فؤاد ..
وإذ بغصّةٍ بدمعة تحول بينه وبين المتابعةلحديث عذب تشنفت له الآذان
وأصغت له القلوب..كيف لا وهو يتحدثُ عن رمضان الحبيب..!!
كان كمن يجرّ الحروف جرّاً لتتشابك فتخُرج معاني حرّى يعيشها الفؤاد المتفطّر لرحيل ضيفٍ حبيب..
وتقطع صوته ببكاء يغالبه... ليخرجني من دنياي إلى عراء وفضاء..
أتلفتُ يمنةً ويسرةًعلني أدرك حاجتي..
ويزدادُ نشيجه ....وأيام رمضان التي رحلت وودعت
تتدافع أمامي مسرعةً لتريني صورة نفسي عارية كما أنا الآن..!
وتتفلت منه حروف غير مفهومة علّهُ يحسن لغةً.. فلا يطاوعهُ الحرف
ولم ينقذه من تلك المشاعر المتدافعة والمختنقة التي انصبت عليه كشلال لايؤذن بتوقف.....إلا عبير أملٍ يسوق روحاً إلى نفحة ٍ من نفحات الرحمن لعل القلب يدرك حاجته..ولعل الروح تحيا..فتزهر دنياه..
طمعٌ في كرم الكريم..ورغبة فيما عند الرحيم...
جعلت تلك الحروف النورانيةتتناثر مذعنةً من لسان ذاكر..
ليسطر ذلّ عبدٍ ورجاء خائف..وخوف آمل في قادمات..
" اللهم إنك عفوٌ تحبّ العفو فاعفُ عني"
" اللهم إنّك عفوٌ تُحبُّ العفو فاعفُ عني"
" اللهم إنّك عفوٌ تُحبُّ العفو فاعفُ عني"
فينفجر بكاءً لرجاء بمولاه..ويسطر بدموعه قصة عبدٍ راج ٍ عفو سيده
آملاً في عتق رقبة من النار...
لازالت حروف الخطيب المتقطعة ترن في أذني فتحدث
انقلاباً في نفسي..
أكاد أفقد فيه اتزان..لولا حسنُ ظنّ ٍ بربي
لكنّ سؤالاً لازال معلقاً في ذهني يلحُّ عليّ و ينتظر إجابة..
أتراه يملك قلباً..ولاأملك؟
أتراه أحسنَ مع مولاه فجازاه بلين قلب وجريان دمع ؟
وحُرمتُ أنا
لاأدري!
" اللهم إني أعوذبك من عين ٍ لاتدمع ,وقلب ٍ لايخشع.وعلمٍ لاينفع
ودعاءٌ لايسمع.."
(17)
بشائر خير ٍ استهلت في نفسي ..فاستبشر فؤاد..وتبسم يومي..
خيّل لي أنني رأيت ذلك الوجه الذي سيصاحب..
حين أودع طيات تراب....وكأنه يسير خلفي..فيرافق خطوي ويوافق
أنفاسي..كأنني أراه وهو يستحثُّ نفساً كسلى أن تدرك شرف الزمان
..وأن تقارب بين خطى... فقد يمضي الركب ويرحلون إلى ديارهم
التي أخذت تناديهم..وتزينت لهم بأبهى حلة..
ترى لمَ تراءى لي ذلك الوجه الذي رجوتُ الله أن يكون حسناً؟؟
لاأعرف..لمَ تحركت رياح الشوق لأنيس في دار الظلمة..يذهب وحشة
ويقطع زماناً طويلاً بأنس مصاحبة..
وكأنني أراه واقفاً أمامي لايلتفت إلا لقصده..
وبصوت مشفق يحدو هذاالفؤاد ليمضي به في طريق منير..لعله يدرك
القوم ولو بحديث نية عزم...
تحرك في الفؤاد شوقٌ ..للرحيل..واستثقلت قدم لبقاء..وخفت روح
لعلو..هناك ..حيثُ لاتعب ولانصب..
ترى متى الرحيل ياصحب؟
وبمَ الرحيلِ ياصحب؟
ومن ِ الأنيس في وحشة القبور ِ ياصحب؟
رباه
ما أطول الطريق..
وما أشقى هذه النفس إن لم تدركها برحمة منك..
رباه!!
أما آن لليل المعاصي والتفريط أن ينجلي..
رباه!!
خذ بيدي وناصيتي إلى البر والتقوى
وحبّب إليّ الإيمان وزينّهُ في قلبي ..وكرّه إليّ الكفر والفسوق
والعصيان...
رباه
رجائي بك لم تنقطع حباله..
فلا تكلني إلى نفسي أو إلى أحدٍ من خلقك طرفة عين