ألم يعد يسألك الرفاق ؟
أذكر جيداً معالم ذلك اليوم .. أتيتني ترتسم
على محياك الجميل ابتسامة خضراء تمتد أغصانها الوارفة
من المحيط إلى الخليج ..
همست لي بصوتٍ كوشوشات المطر حين تداعب بأناملها الغضة
نوافذ العذارى في منتصف كانون ..
الرفاق سألوني عنك ؟
نظرت إليك .. حاولت أن أقرأ سرَّ هذه السعادة في عينيك ..
ماذا سألك الرفاق ؟
أنا من أكون ؟
قالوا لي باندهاش .. هذه التي تتربع على عرش كلماتك ..
تسكن فيك قلب القوافي .. ونرى طيف ابتسامتها يشّعُ بين
السطور .. من تكون ؟
من تكون ؟
قلت ..
إنها الوطن ..
إنها امرأة من وطني ..
إنها كل وطني ..
الوطن هو من يتربع على عرش الكلمات والحروف ..
الوطن هو من تشّعُ ابتسامته بين السطور ..
الوطن هو من يسكن قوافيَّ ويسكنني من رأسي حتى أخمص
قدميِّ .. الوطن من يحمل قلمي من بين أصابعي وينقله على
هذه الورقة البيضاء لتظهر لكم فيما بعد .. شعراً ..
نثراً .. بوحاً ..
أو امرأة تسكن قلب القصيد ..
لتظهري أنتِ يا وطني على أوراقي .
أين أنتَ اليوم من هذا البوح الرقيق ؟
أين أنت من هذا الوطن الجريح والقلب الجريح الذي خلفت
وراءك دون أن تسأل ؟
ألم يعد يسألك عني الرفاق ؟
ألم يعد يسألك الرفاق عن أميرة الحروف .. عن الوطن الذي
يتربع على عرش الكلمات وتتراقص أطيافه بين السطور ..
ألم يعد يسألك الرفاق عن امرأة من الوطن تسكن قلبك
وقوافي القصيد .. أم أنتَ الذي لم تعد
تأبه لأسئلة الرفاق؟
أم تراك عثرت على وطنٍ آخر في غربتك ؟
هل عثرت في غربتك على الوطن البديل .. على قوافي جديدة
لا تنتهي بحروف اسمي ولا تشبهها من قريب أو بعيد .. هل
عثرت في غربتك على وطن جديد .. بملامح جديدة وابتسامة
جديدة ؟
وطن أصبحتَ تشرب معه قهوة الصباح وتمسح بمنديلك الوردي
حبات دمعه حتى لا تعكر صفو الوجنات .. وطن جديد .. هناك
حيث تذبحك سكاكين الغربة .. فأخذَت تداعب مشاعرك أطياف
ابتسامات .. وأرواح مجهولة الهوية .. شقراء الجديلة ..
عيناها تلمع كعيون الدمى .. دموعها جافة ليست سخية
كدمع الوطن .. ليست ملتهبة كدمع الوطن التي كانت تصهر
مشاعرك .. وتغرقك في محيط من الحزن أثقل كاهلك وأحنى
ظهرك لسنوات طوال .
ألم يعد يسألك عني الرفاق ؟
أم تراهم يشاهدونها معك .. وذراعاها تلتفان كأفعى حول
خاصرتك وحولك وجدائلها مبعثرة على كتفيك وعنقك .. وأنت
غدوت شاعراً ملهماً .. تذوب أمام الضفائر الشقراء فتغرقها
في بحور الشعر .. وتعيد تشكيلها بقصائد
الشعرالجاهلي .. وتمشط ضفائرها بأشعار الغزل العذري ..
لتتربع بضفائرها الشعثاء على عرش حروفك وسطورك و قلبك ؟
قل لي .. أجبني .. أيسألك عني الرفاق ؟
ألم يعد يسألك الرفاق عني ..
عن وطنك ..
ألست وطنك .. أم أنها أصبحت هي وطنك و أصبحت أنت مواطناً آخراً لدى قوم آخرين ؟
ألم يعد يسألك عني الرفاق ؟