في نفس المكان .. نفس الشرفة مع تلك الشجرة وهذا الكرسي وتلك الأوراق
وهذا القلم الذي لا يكل ولا يمل من سماع شكواها.. دموعها .. حنينها .. أشواقها
وفنجان شاي معطر بالهيل كما تحبه.
شردت بعيدا وهي تتأمل السماء ، كان الضجيج يملأ المكان ، زاد الشرود ليختفي
الضجيج رويدا رويدا
لتسبح مع الأطياف مرة أخرى وتمتد يداها وتداعب أناملها القلم وسمعته يتوسل
لكي تحكي وتكتب فما أصعب الصمت الذي يخلو من كل شيء الا أنفاسها ونبضات
قلبها ، تراقص القلم لاحساسه بأنها سوف تخرج تلك الكلمات المبعثرة داخلها
قال :
هلمي ..هلمي .. هيا بنا الى عالمك الساحر ، انفضي تلك المشاعر
ابتسمت وقالت :
هيا بنا أيها الصديق اليوم سأقص عليك حكاية حب نرجسية.
لأعوام عدة كنت أسال عنه البحر والطير ، الحجر والشجر اليس كذلك أيتها الشجرة
كان يداعب قلمي من بعيد بعيد
الى ان تشجعت حروفه وخاطبت فكري وقلبي
ومن هنا بدات الحكاية
كنت أبعث له بسلامي مع تلك النجمات وهذا القمر وتلك النسمة
كنت أغمض عيناي وأفتحهما عليه، كانت الحياة جميلة بالخيال والأمل ،
كنت أراه الفارس في موكبه الشامخ المحمول على الأعناق ، امرئ القيس
فارس الحب قتيل الغرام أراه في هيبة ملك في براءة طفل في تهور مراهق
كنت ولا زلت اغني له وحده
استقر في وجداني ورفض المغادرة للمكان
له غنيت وبكيت
لاجله رسمت كل حروفي وتماديت
كانت تستفزني مدائح الشاعرات ، لأنني كنت أراه بين قصائدهم.
كنت أنانية في الكتابة الغزلية ، الى درجة أنني وددت أن أكون الوحيدة
التي تكتب الغزل حتى لا يهرب مني وصف أو شوق أو دمعة.
اغضبتني كل الحروف التي كانت تنادي عليه
كل النساء يجب ان يبتعدن عن طريقه
اغضبتني مغازلتهم له
كنت أشعر أن من يحبه يتنزل عليه الالهام ، ومن يتخيله فقد قبض السعادة الأبدية.
ولذلك عليهم جميعا مغادرة سفينته
رسمته بطلا لعالمي الوردي
كان خياله فرصة لتفتح الورود واستعراض الفراشات ألوانها وبداية السباق.
لكن يجب ان يكون خيالا محصورا بخيالي لقلمي لفكري لوجداني
ان السباق اليه أجمل السباقات . السباقات الأخري يتبارون لنيل جائزة مادية
أو شهرة مؤقته، لكن السباق اليه يعني التتويج على عرش الفرح
عرش الكتابة والقلب الملي بالاسرار
يعني استحواذي أنا على منابع الابداع ، يعني الخلود.
تخيلت طفولته وعشتها معه ، منذ كنت طفلة بضفيرتين وابتسامة عذبة كالمطر
كنت أرسمه بخيالي في المدرسة والبيت ، وقت اللعب والمذاكرة ، كنت أتخيل
غرفته واكلم ألعابه.
وكم مرة أخبرت وسادته عن شعوري الطفولي وأنا أتشمم رائحته بها
وأوصيتها أن تبلغه السلام والكلام.
ذهبت معه فصله الدراسي غششته ماذا يكتب في ورقة الأجوبة.
وحين ينال المركز الأول أطير وأصرخ فرحا ، لشعوري بأنني أنا التى
حازت على المركز الأول
رافقته كثيرا وهو بصحبة أبيه وأمه لشراء ملابس جديدة او لزيارة الجد والجدة
او حضور مناسبة أو عرس.
لقد كنت أعرف برنامجه اليومي منذ أن يفتح عيناه حتى يغمضهما.
اردت ان اكون شريكته في كل برنامج
في العمل ... قبل الخروج من البيت .... وحين يعود ...
كان خيالي مصرا على التفرغ له واستحضاره ، للتفرد والانفراد به.
كل تلك الأعوام من عمري وانا رهن اشارته، وانا تابعته المخلصة
وأنا المتخيلة بدرجة الامتياز مع سبق الاصرار والترصد
ذهبت اليه في الكهف وصرت أنثى الانسان الأول،وهو رجل الكهف
لففت معه مدن العالم ، بحدائقها ، بجزرها ، ببحورها ، حتى ثلوجها
جعلت منه رجل تتمناه كل من تقرأ وصفه.
كتبت فيه ما لم أكتبه في سواه ، وانتظرته لعله يعلن عن نفسه.
وحين أقرر مقاطعته يطلب مني قلبي معاودة الكتابة عنه والعودة اليه
اخر المطاف اقسمت ان لا اعود بابي الذي عشقت
ولكن الشوق خذلني لاعود مع حقائب السفر اليه واغراضي
أليس كذلك ياسمينتي ؟
اليس كذلك أيها القلم؟
يصرخ القلم ويقول : أكملي اكملي
أسترسل في الكتابة مرة أخري وأرى وجهه يبتسم لي في وجه القمر
تضيع مني الحروف وأتلعثم وتنهمر أمطار الأحداق
للأسف الشديد، لم يصلك شيء من ذلك أبدا.
لم تنفع أسرار التخاطر والتخاطب عن بعد،لم تنفع المشاعر التى تخترق
الغيام الماطر بالأشواق ،لم ينفع الشوق الذي فجر براكين الأرض
لم تنفع النسمات المحملة بالحنين ، لم ينفع مطر الأحداق الذي روى أزهار
المعمورة وفاضت الأنهار والبحار من سيلانه.
لم أنل من الصبر الا الفراغ ، كل شيء بدونك ولا شيء،
وأنت في غياب جسدي قاتل وفي حضور ذهني متقد
لذلك قررت....
قررت أن أمنع خيالي في التمادي أكثر ، وأن أكف عن البحث عنك ،
وأن أحاول نسيانك وأدعك في حالك.
أنت تتسلى في بحثي عنك ، أنا اشقى به ، أنت تستقبل ما أكتب ببرود،
وأنا أكتب بغليان ، أنا تتابع مع أكتب سرا ، وأنا أنشره على الملأ،
أنت تمتلك دون سواك جل تفكيري.
أنا قررت ألا أكون من الظالمين
أنت سيد القلب لم تكن لي ، سأحرر خيالي منك ، سأعود تلك الفتاة الخالية
التى تنام مبكرا، وتصحو مبكرا ، لن أخلط الوقت بعد الأن لن أجعل النهار
ليلا، لن أملأ قوارير الزمن بعطر الخيال.
لن أراك بعد الأن ، لن أرى عيناك وبسمتك سوف أنساها
همساتك وكلماتك، لمساتك ، سأجعل كل شيء يتبخر
اذهب كما شئت ، فأنت من الأن وصاعدا حرا من خيالي.
تقطر حبر القلم دامعا وسقطت بضع زهرات من الياسمينة حزنا
وبزغ فجر جديد لعله مصاحب لنفحة أمل.
لذلك رفضت الخيال وساعود الى دقت قلبك التي تنادي بشغف العاشقين
فكم راقتني تلك الحروف وما زالت نفحة الامل تزيد وتزيد