إن وراء كل زيجة قاعدة ومبدأ أرساه الله تعالى على يد نبيه
صلى الله عليه وسلم، وفي بيت النبوة تجمعت كل صور الزيجات
التي شهدها ويشهدها نظام الزواج في العالم كله.
فهناك الزوجة التي تكبر زوجها فكانت له أما وصاحبة
ورفيقة كفاح وردءً ووزيرًا (السيدة خديجة)
وهناك الزوجة الصغيرة التي تصغر زوجها بعشرات السنين ومع ذلك
تحبه وتجد فيه من صفات الرجولة والوجاهة والقسامة ما يجعلها تغار
عليه من الأخريات، بل وتحسد ذكرى زوجة سابقة يرددها في حب
وامتنان بعد أن توفيت بسنوات طويلة (السيدة عائشة)
وهناك الزوجة التي تنحدر من أصلاب السادة كصفية بنت
حيي بن أخطب أحد زعماء اليهود، وجويرية بنت الحارث سيد بني
المصطلق، وتجد في الزوج الكريم أخلاق الأكابر وتواضع العظماء.
وهناك الجارية التي حملت إليه من أرض الكنانة، فلم يعاملها كما يعامل
العبيد، بل كما يعامل الإنسان في شريعة الإسلام ولم تستعل عليها واحدة
من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وفيهن بنت الصديق وبنت
الفاروق وسليلة نبي الله هارون وابنة عمه القرشية.
هيا بنا نقرأ سطورًا أرسلتها مارية القبطية إلى أهلها بمص
ر تقول فيها: "إن المرأة لتخشى على نفسها بين أبويها
وتأمن بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم"!
وهناك الحسيبة النسيبة (زينب بنت جحش)
التي كان زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم رد اعتبار لها ولأخيها
ولأن الله تعالى أراد أن يبطل عادة التبني التي كانت مألوفة عند العرب.
وهناك المرأة الكريمة المعطاءة (زينب بنت خزيمة) التي وجدت
ما يوافق طبيعتها في زوج أجود من الريح المرسلة.
وإن الإنسان ليعجب، كيف جمع بيت النبوة هذه الباقة التي يندر اجتماعها
في مجتمع واحد ولا أقول في بيت واحد؟ المسلمة والمسيحية واليهودية
العربية والقبطية، السيدة والجارية، البكر والثيب، الكبيرة والشابة؟
وأنى لهذا الرجل العظيم الوقت والجهد والصبر لملاطفتهن ورعايتهن
بل والحكم بينهن في خلافاتهن التي لا يخلو منها بيت وسط ما يشغله
من أمور الدعوة، والوفود والغزوات وإرسال الرسل للملوك، وعقد
المعاهدات ومواجهة مكائد اليهود وخبث المنافقين ومقاومة المرتدين
والاستعداد لحشود الفرس والروم؟
ولو أن هذه الصورة لبيت النبوة تحققت في مكة قبل البعثة، لقلنا إن محمدا
صلى الله عليه وسلم توفر له من الشباب والفراغ والوقت والمال والنفوذ
وهو المتصرف في أموال السيدة خديجة وتجارتها ما يسمح له باتخاذ
الزوجات والجواري والاستمتاع بطيبات لم يكن المجتمع المكي ينكرها على أحد في ذلك الوقت.
فأين مثل هذا الرجل الذي تجتمع تحت ظلاله هذه الكوكبة من النساء
ويشملهن جميعًا بعطفه وحنانه، حتى إن إحداهن ترفض أن يسرحها
الرسول صلى الله عليه وسلم وتهب يومها لعائشة - رضي الله عنها
إرضاء له، وتكتفي بشرف أن تُحشر في زمرة أمهات المؤمنين
يوم القيامة.
وأين مثل هذا الرجل الذي تعرض امرأة نفسها عليه رغبة منها في أن
تحظى بمثل هذا الشرف ﴿وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي﴾
[الأحزاب:50]
وأين مثل هذا الرجل الذي تجتمع عنده تسع زوجات في وقت واحد
ونجده يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويكون في خدمة أهله
ويقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».