رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
أضاقت بكم الدنيا فلم تجدوا سوى أرضي وساحة ملعبي وصفوف مدرستي كي تفقأوا عين الشمس فيها وتقنصوا حبات المطر.
أضاقت بكم صفحات المدى فبترتم البسمة على شفتيِّ وخنقتم الأمل المتدفق في قلبي وأوردتي ولهاث خطاي المتهالك على سلالم مدرستي .
أضاقت بكم نسمات الهواء التي تداعب رئة الطفولة في جسدي فأطبقتم عليها كماشة أنيابكم تريدون تمزيق
رئتي وتمزيق حلمي وتمزيق أملي وشمس نهاري وملامح غدي .
ماذا جنيت لكم ؟ ماذا طلبت منكم ؟
هل طلبت منكم ملاعب الطفولة وحدائق البنفسج وبيارات البرتقال ومشاتل الزيتون ؟
هل طلبت منكم حقائب الدرس وأدوات الرسم وفرشاة التلوين ؟
هل طلبت نزع خارطة الكون ولصقها وشماً على زندي وضرب بوق الصباح ونشيد العلم وهتاف الرفاق في طابور الدرس ؟
هل طلبت ماءً ، فضاءً ، ذرات أكسجين ، حبات قمح ، سترة نجاة ، هل طلبت عنواناً لأسمي وخارطة لأيامي وقنديل فجر لليلي الطويل ؟
أنا لم أطلب سوى مهد الطفولة وحضن أمي وحلم أبي أتدثر فيه وأكبر به ، فلماذا قصفتم سريرالطفولة
وشردتم الحلم الدافىء والأمل اليتيم وألقيتم بأشلائي إلى أحضان العدم ؟
ماذا جنت لكم أحلامي حتى تقصفوا عمرها في المهد وتدمروا جذورها وتبعثروا كل ذرة فيها وتنثروها في ضباب حقدكم
فتحجبوا عن عيني ضياءها ونور آمالها وحلم أحلامها ؟
ألا تكفيكم جلُّ البقاع التي طمستم هويتها وقدمتموها إلى عدوي على طبق من فضة .
ألا يكفيكم ضرب الأعناق وتكميم الأفواه وقلع الأضراس وتثبيت أعواد المشانق والخيام .. وماذا بعد تريدون حتى تكتفوا ؟
يا سلاطين العرب ماذا تريدون مني ؟
ماذا تريدون من نسمات الهواء التي تداعب وجنتيٍّ كل صباح على شاطىء عمري وبحري ؟
ماذا تريدون من حدائق البنفسج وأكاليل الياسمين التي تحضن وجعي وقهري في ساعات الغروب وقبل
أن يخيم الظلام الذي رسمتموه في سمائي .. سماء غزة ؟
ماذا تريدون من دمي ؟
هل بتم تثملون على عصارة دمي ؟
هل باتت هذه الأنامل الطرية التي تعض على قلم الرصاص لتخط اسمها برأس الصفحة فتعلن للعالم بأسره
ولادة طفل فلسطيني من رحم الدمار هل باتت هذه الأنامل ترهبكم ؟
إذاً فإليكم رسالتي يا سلاطين العرب :
أنا وأشقائي أطفال غزة الحرة سنشكوكم إلى التاريخ ... هل تذكرون التاريخ ؟
هل تذكرون التاريخ يا سلاطين العرب ؟
هل تذكرون صلاح الدين الأيوبي وركن الدين بيبرس ؟
هل تذكرون اشبيلية وغرناطة ؟
هل تذكرون فتوحات الأندلس ؟
هل تذكرون المسجد الأقصى وقبة الصخرة ؟
التاريخ ... التاريخ أيضاً لن يذكركم يا سلاطين العرب ، سيذكر فقط طفلاً كان يلعب بدميته
ثم قصفته يد الغدر فاستشهد هو والدمية وجلَّ أحلام الطفولة ومقاعد الدرس وخطوات المستقبل التي
أعدمتموها على أعواد مشانق طمعكم وجبنكم وخوفكم وخلافاتكم وتخاذلكم ولكن هذا الحلم الفلسطيني سينبت
من جوف التربة السمراء ومن داخل ملاعب الطفولة وسيحرر الأمل والحلم والبسمة وسيرفع راية فلسطين
وسيذكره التاريخ يا سلاطين العرب ... سيذكره التاريخ