سـر من أسـرٍآر الكــون العظـــيم ...
ســر يتمكــن في كـل واحد فينـآ ...
في كـل أدمــــي .........
ما أعجبَ هذهِ النّفسُ البشرية ,
فهي سِرٌّ مِن الأسرار ,
فيها تَتجلّى عظمةُ اللهِ و إبداعُ خَلقه .
فهي مُسيّرةٌ مُخَيَّرة , تسلُكُ الطريق السَويّ و الصِّراطَ المستقيم ,
فتَصِل لدرجة الأخيار مع الذينَ أنعمَ الله عليهم من النّبيينَ و الصِدِّيقينَ و الشُّهداء ,
و على النقيض فحينما تسلُك الطريقَ الخطأ و تتخذ الباطلَ و الهوى دليلاً فهي تسقطُ لمرتبةِ الشّياطين و مَرَدَةِ الإِنسُ و الجِنّ ,
لا ينتشِلُهَا منها إلا الذي خَلقها
فعَجباً لهذِهِ النّفس :
! فيها من النّار
( الشّهوَة , الجوع , الغضب , الحِقد , الحسَد , الغِلّ ).
وفيها من النور
( العَفو , التّسامُح , الحِلم , الفهم , الحنين إلى النّورِ الأعظم ).
و فيها من الطين :
( الآلية , التّكرار , الجُمود , الرّتابة , القُصور , الخُمول , التّثَاقُل , الكَسَل و العَجْز عن التغيير ) .
و فيها من الرّوحانيّة :
( الانطلاق , الحريّة , الشفافيّة , الابتكار , الإبداع , الخيال , الجمال , الحُبّ , الإيمان ) .
فهي لا توجد نارِيّة أو نُورِيّة أو طينيّة أو روحانيّة ,
بل هي مزيجٌ من كل هذه المكونات ,
تصعد و تهبط حسبَ مقدار أحدُها فيها .
فلَو تأمّلنا أنفُسنا لوجدنا أنّنا في حالةِ تَذبذُبٍ دائمٍ بين هذه المراتب ,
صاعِدينَ و هابِطينَ من مرتبةٍ لأُخرى ,
من حالةٍ روحانيّةٍ إلى ناريّةٍ إلى طينيّة .
و الصُّوفِيّون يُطلقون على هذه المراتب ( المقامات ) ,
و مِما لا شَكَّ فيه أنّ الإنسان بطبعهِ مزيجٌ من كل هذه المراتب .
فقد تشُدّهُ جذَباتُ الهوى و الشّهوة فينـزِلُ إلى الحَضيض حينَ لا يذكر اللهَ و لا عذابَه ,
و في هؤلاء يَقولُ سُبحانَه : ( إنّهُم كالأنعامِ بل هُم أضلّ ) .
و كثيرٌ من الخَلقِ من تقودُهُ و تُحَرِّكُهُ مكوّناته النّاريّة ,
فهُوَ حقودٌ حسودٌ مُنصاعٌ لنَزَواتِهِ و شهواتِهِ ,
لا يَعرفُ معروفاً و لا يُنكِرُ مُنكراً , يعيشُ و يرتَعُ كالبَهائِم .
و القِلّة القليلة من الناس هُم من وَجَدوا في روحانيّتِهم السعادة و الأمان ,
فالخيرُ طريقُهم و الحقّ سبيلهُم ,
يَذكرون الله قياماً و قُعوداً و على جُنوبِهِم ,
و يتفكّرونَ في خَلقِ السّماواتِ و الأرض ,
فالتّفكّرُ و الإبداعُ و الانطلاقُ و التّحرُر من وَرقِ الشّهوةِ هو باعِثُهم على اكتشاف الجمال و الحُبّ و الإيمان .
فهم يُلامِسونَ وجدانَهم و يُحَرِّكُون مكامِنَ الخيرِ في أنفُسهم ليصِلوا إلى درجة الأخيار الأبرار مع الذينَ أنعمَ الله عليهم من النبيينَ و الصِدِّيقينَ و الشُّهداء .
و ما أكثرَ مَنْ يستَقِرّونَ في المراتب السُّفلية حيثُ الحياةُ شهوةٌ و أكلٌ و شُرب ,
فلا هُمومٌ إلا همومُ البطنِ و الفَرْج .
و يبقى أوساطُ النّاسِ مِمّن يتأرجَحُونَ بين النّارِ و النُّور ,
بين جذَبات العُلوّ و جذَبات التّسافُل ,
ينتَشِلونَ أنفسهم من إغراءٍ ليَقعوا في آخر .
فالشيطانُ لا يدخلُ إلا على الذينَ هَبطوا إلى المرحلة النّارية حيثُ توجدُ أبوابهُ من الشهوةِ و الغضبِ و الحسدِ و غيرها .
و النّفس البشرية بطبعها تميلُ للراحةِ و الشّهَوات ,
و لكن السّعيد هو من كَبَحَ شهواته في المعصية لِيُنَفّسَ عن نفسهِ فيما شرعَ الله لهُ ليسلُكَ الطريق السّويّ و ينالُ رِضا الله .
فسبحانَ الله ... قال تعالى : ( فألهَمَهَا فُجُورَهَا و تَقواهَا ) .
فالنّفسُ مُسيّرَةُ مُخيّرة ,
تَنـزِلُ و تَرتَفعُ بنَقصِ و زِيادَةِ الإيمان و المكونات الرّوحانيةِ فيها .
يقول تعالى عن عبادِهِ المُفلِحين : ( قَدْ أفلَحَ مَنْ زكَّاها ) ,
و هو من زكّى نفسَهُ و طهَّرَها من نارِيّتِهِ و شَهواته .
و يقول تعالى عن الخائبينَ الخاسِرين : ( وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) , و هو الذي خَانَ نفسهُ و جعلَ إلههُ هَواهُ فهُوَ خائبٌ خاسِر .
و تستمرٌّ هذهِ المرحلةِ إلى أن يَرِثَ الله الأرضَ و مَنْ عليها و ينجُو مَنْ نَجا و يسقُطُ من أضاعَ عمرهُ في مرحلتِهِ النّاريّة فلَهُ بها النّار ( إلاّ ما شاءَ الله ) .
نَعُوذُ باللهِ من نارهِ , و نَسألُ اللهَ أن يَهدي نُفوسَنا إلى نورِ الحقّ لِننعَمَ بالنّورِ التّامِ يومَ القيامَة
منقول للأستفادة