هذا الفتى بقميصه المخضوب
بالدم والندى .
في الفجر أيقظ كومة الأحجار ،
واستل اللهيب من المدى .
فتجمع الفتيان ...
كانوا واحداً ..
في صوتهم عبر المحيط إلى الخليج ، ورددا ..
يا ليتني حجر بكف فتى يصوبني ،
وأعرف كيف أمتشق الردى .
يا ليتني الأمس الذي يأتي إلي اليوم ..
الذي يأتي غدا ..
لم يبق لي غير الذي تركوا :
حجر من الصّوّان ..
مقلاع وباع ..
واحتمالات الفدا .
هذا الفتى ...
شق النهار على محبته ،
وأرضى أمه .. وتمردا
دمه نشيد الأرض ،
في غسق الشوارع ،
والدخان سحابة تمضي ،
وهذا الصوت عاد فغرّدا .
قد يصدأ السيف الذي صقلته
كف محارب ،
حين التراب الرطب يصبح مرقدا
لكنما الحجر المقاتل لا ينام ،
ولا يضام ،
ولا يداخله الصدا .
هذا الفتى ..
كفاه مشرعتان :
كف دحرجت شمساً على جبل ،
وكف أوقدت بركانها .. فتوقدا .
هذا الفتى ..
صعد الجليل وقدَّ من زيتونة الحجر الجميلة ،
غصنه وتقلدا،
ورمى بآخر صفحة من دفتر الدمع الحزين ،
وأنشدا :
سبحان من جعل الحجارة موريات
تشعل الطرقات موتاً أسوداً .
سبحان من شحذ الطفولة ،
كي ترد لوجهنا الذاوي نضارة مائه
وتجددا .
سبحان من نكأ الجراح لتزدهي بثمارها ،
من زهرة الشهداء ،
كي تلتام .. أو تتخلدا .
قوس من الحجر المقدس عند فاتحة
البيوت ،
وفي الأزقة ،
خلته ورداً تشابك من دم .. وزبرجدا .
يا أم " باسل " لا تراعي ...
أسندي رأس الفتى بيديك ،
أو بحجارة
رشي الضريح بحفنة الحناء ،
فالحجر الأصم إذا تحرك أرعدا .
يا أم كل فتى تناثر في البلاد ،
سلاحه حجر انتفاضته ،
مداه الحلم يلثم فرقدا
كذب الدعاة فمعدن الأرض السخية
مستفيض :
قلبها ماس ،
ووجه أديمها آس ،
ورايتها نسيج دم ،
لها تأتي الكواكب سجداً ،
اليوم تنتفض المدائن والقرى ،
وبعزمها النصر
الذي ماشى ( صلاح الدين ) في " حطين "
أو دعا ( خالدا)
اليوم تنبجس الينابيع السخية ،
تحت صخر الأرض ،
تخضر الكروم ،
ويشهد التاريخ طفلاً أمجدا .
يا ذا الفتى المجدول من حجر الجبال
وغضبة الأجيال ،
أشعلت الفضاء بقوس نارك ،
صرت وحدك سيدا
وسللت سيفاً مله الغمد الأنيق ،
ومله الحد العتيق ،
أهتز سيفك للحمى ،
وتشهّدا ..
ما عدت تحتمل المبيت على الطوى ،
والسِّرب مؤتلف
ومؤتلق الفتوة ،
إن أغار .. وأنجدا .
المجد للحجر الذي دوى بصمت زماننا ...
والمجد للحجر الذي حفظ اليدا .
يا ذا الفتى ..
هذا اسمك العربي
أزهر موجه ..
فكسرت قيدك يا فتى ..
وكسوت أرضك أرجواناً .. عسجدا
أرَّخت في سفر الحروب فصول عشقك ..
و انتزعت من الحجارة مولدا