تسكنني عتمة
الليل ينشر سواده بسخاء ، وقد صبّ ساعاته في قدح مكسور . . . تحجّرت ثوانيه فوق رأسي كأنها الزمان . . . والدنيا راحت تطلب خلاصها على أبواب مَنْاجم الحزن ، والكآبة فتحت ذراعيها بنشوة واقتدار.
وأنا هنا تسكنني عتمة تطوف حولها فراشات عاشقات بلا أجنحة ، وعناكب صيد تشد رحالها إلىّ فتنسج للموت أقداراً وكوابيساً من خيوطٍ مربوطة بآخر أنفاسي . . . الشمس قد ذُبحت هناك بعيداً ، فوق غيمة شاحبة التصقت بالأرض ، والورود كلها قد ذبلت من فرط بكائها ، فما عاد لها عطرٌ ولا عبقٌ ولا لربيعها ربيع ، والنجوم قد سافرت بلا عودة ، قد أدمى ضياء الشمس خاصرتها ، فحملت أوجاعها ورحلت ، والقمر قد هوى في بئرٍ عمياء ، التقطته شياطين بلهاء ، فرمته ثانية في حضن المجهول .
وأنا غريب هنا ، تُولد أفكاري في بحر الليل وتتوه ، وتبتلعني الهموم وتتقاذفني أمواج الحزن فتُلقِِ بي في جُزر الملح ، وتحت سماءٍ لا تشرق فيها الشمس ، أبحث عن مأوى ، عن صديق ، عن ظل بسمة , عن صوت عصفورة يرفرف الأمل بين جناحيها ، أبحث هناك عن فكرة مجنونة علّها تخلقني من جديد ، ولو حجراً في دنيا تشرق فيها الشمس ولو لساعات .
أصرخ وأصرخ ، ويعود الصوت فيلطمني على وجهي ساخراً ، أين تقرع أجراسك يا هذا !! ، لقد رحلَتْ الطريق من هنا ، والزمان مذبوحٌ في أول الزمان ، أين تقرع أجراسك ؟ ، وأنت وحدك هنا ، من يسمعك سوى أنت !! ، ومن يفهمك سوى أنت !! ، ومن هنا سوى أنت !! ، فلمن تقرع أجراسك ؟ .
تطاردني الأسئلة وتغتالني الإجابات ، أهرب من صوتي ، من عجزي ومن يأسي ، تنمو بين ركام الثواني فكرةٌ ، وتنبت بين جداول أوردتي وردةٌ حمراء ، تنهض ابتسامةٌ من فراش موتها وتقاوم قدراً كَتب لها الرحيل ، هل ستشرق شمسي من جديد !! ، وهل ستبرأ سمائي من سقم الليل !! ، وهل ستعود النجوم إلى مساكنها !! ، أجاب الصوت ناصحاً هذه المرة ، لا تشرق الشمس إلا لمن يستحق ضياءها ، ولا يسكن الليل سوى قلوب المهزومين ، فأنت من يصنع الليل وأنت من يعتقل الشمس وأنت من تدفن الأجراس ؟؟
أفقتُ من كآبتي وملأت رئتاي بذرات الأمل وأغلقتُ الباب على ما فات ، وبدأتُ المحاولة ، فهل أستطيع ؟؟